البدو
البداوة ليست عيبا أو آفة خلقية أو اجتماعية أو مرتبة أدنى في التقدم الحضاري. على العكس، ارتبطت البداوة على مر التاريخ بالتجدد، و التحرر، فكانت الشعوب البدوية التي تعيش على أطراف الإمبراطوريات الكبرى دائما هي التي تُغني عروق مجتمعات هذه الامبراطوريات بالدماء الجديدة و تمنع الركود الذي يصيبها نتيجة الدعة و الرفاهية. و ارتبطت البداوة، على الأقل في العقلية العربية، بصفات الكرم و الشجاعة و الفصاحة، وربما الدهاء و الخبث أحيانا و إن كانت هذه الأخيرة تهمة يتبادلها الجيران من ذوي الطبائع المختلفة دائما.
في بضع عشرات السنين الماضية ازدادت نزعة توطين البدو عند الحكومات المركزية في الدول التي يعيش داخل حدوها هؤلاء البدو و إن كانوا في واقع الأمر لا يعترفون بهذه الحدود، و لا يقيمون لمسميات الجنسية و أوراقها وزنا. تمكنت الشعوب البدوية المعاصرة، أو ما كان قد بقي منها بالرغم من محاولات التوطين تلك من البقاء على مر آلاف السنين، متميزة بطرق في الحياة تمكنها من التوازن الدقيق جدا مع البيئات التي يعيشون فيها بحيث لا يطغون عليها فيفنون. و تطورت نظمهم الاجتماعية و القانونية لدرجات تثير اعجاب كل من يطلع عليها لأول مرة، مع اقتضاء الموضوعية بأن نعرف بأن هذه النظم ليست بالضرورة مناسبة لحياة الحضر.
أقول هذا لأنني كنت إلى وقت قريب أربط في طرحي دائما بين الفكر الديني المتشدد الوافد من دول منطقة الخليج الفارسي و بين أخلاق و طباع البدو. إلا أنني قد عدلت هذه الصورة منذ فترة للتفريق بين مفهومين، يرتبط الأول منهما بأسلوب حياة مختلف عما اعتدناه نحن سكان المدن، و إن كان هو الأقدم تاريخيا حيث أن البشرية كلها ابتدأت بمرحلة البداوة، و بين منظومة أخلاقية و اجتماعية نشأت في مجتمع كان إلى وقت قريب مجتمعا بدويا. و إن كنت أرى أن الأفكار المتزمتة و السلفية الإسلامية التي يمثلها الفكر الوهابي المتهم دائما بالتطرف قد نشأت أساسا في المراكز الحضرية لمجتمع شبه الجزيرة العربية، و ليس في المحيط البدوي.
البدو بطبيعتهم مرنون، متأقلمون، الثبات ليس له وجود في عقليتهم، و انتمائهم أساسا للجماعة و ليس للأرض. هم لا يبنون المعابد، فليس لديهم فائض اقتصادي يبرر ذلك. دياناتهم بسيطة، تبقى شعائرها عند الحد الأدنى، و آلهتم مجردة و مطلقة. و فنونهم عملانية (براجماتية) وظيفية، فالترحال يستوجب قلة المنقولات. وفي هذه الصفات يتشابه البدو حول العالم: العرب منهم، و المغول، و الأمريكيون و حتى الإسكيمو.
دفعني إلى التفكير في هذا الآن مقالة كنت أقرأها في عدد صحيفة القاهرة رقم 224 الصادر في 27 يوليو 2004 بعنوان أخيرا..الأقباط يتخلون عن سلبيتهم و التي ينقل كاتبها سعيد سالم إعجابه بما حدث في ندوة فكرية تهدف إلى التواصل مع الآخر الديني و الثقافي و النوعي، و مع انحيازي لموضوع و توصيات الندوة السبع، إلا أنني أعترض على صياغة التوصية الثالثة منها و التي تقحم البداوة في دعوتها للتخلص من النزعة البدوية الوهابية الوافدة ذات الاتجاه السلفي و الرؤية الظلامية التي بدأنت تغزو المجتمع المصري فربطت و ساوت ما بين البدوية و الوهابية! فهل نستبدل مشكلة بأخرى و سوء فهم حضاري بآخر!
ربما تكون رؤيتي للبدو مرتبطة بخبرتي الإيجابية بوجه عام مع البدو في مصر، و بسبب إعجابي بثقافة الأمريكيين الأصليين.
في مصر ثلاث مجموعات بدوية رئيسية: السيناويون في سيناء و البربر المختلطون بالعرب في الصحراء الغربية و العبابدة و البشاريون في الجنوب الشرقي
البداوة ليست عيبا أو آفة خلقية أو اجتماعية أو مرتبة أدنى في التقدم الحضاري. على العكس، ارتبطت البداوة على مر التاريخ بالتجدد، و التحرر، فكانت الشعوب البدوية التي تعيش على أطراف الإمبراطوريات الكبرى دائما هي التي تُغني عروق مجتمعات هذه الامبراطوريات بالدماء الجديدة و تمنع الركود الذي يصيبها نتيجة الدعة و الرفاهية. و ارتبطت البداوة، على الأقل في العقلية العربية، بصفات الكرم و الشجاعة و الفصاحة، وربما الدهاء و الخبث أحيانا و إن كانت هذه الأخيرة تهمة يتبادلها الجيران من ذوي الطبائع المختلفة دائما.
في بضع عشرات السنين الماضية ازدادت نزعة توطين البدو عند الحكومات المركزية في الدول التي يعيش داخل حدوها هؤلاء البدو و إن كانوا في واقع الأمر لا يعترفون بهذه الحدود، و لا يقيمون لمسميات الجنسية و أوراقها وزنا. تمكنت الشعوب البدوية المعاصرة، أو ما كان قد بقي منها بالرغم من محاولات التوطين تلك من البقاء على مر آلاف السنين، متميزة بطرق في الحياة تمكنها من التوازن الدقيق جدا مع البيئات التي يعيشون فيها بحيث لا يطغون عليها فيفنون. و تطورت نظمهم الاجتماعية و القانونية لدرجات تثير اعجاب كل من يطلع عليها لأول مرة، مع اقتضاء الموضوعية بأن نعرف بأن هذه النظم ليست بالضرورة مناسبة لحياة الحضر.
أقول هذا لأنني كنت إلى وقت قريب أربط في طرحي دائما بين الفكر الديني المتشدد الوافد من دول منطقة الخليج الفارسي و بين أخلاق و طباع البدو. إلا أنني قد عدلت هذه الصورة منذ فترة للتفريق بين مفهومين، يرتبط الأول منهما بأسلوب حياة مختلف عما اعتدناه نحن سكان المدن، و إن كان هو الأقدم تاريخيا حيث أن البشرية كلها ابتدأت بمرحلة البداوة، و بين منظومة أخلاقية و اجتماعية نشأت في مجتمع كان إلى وقت قريب مجتمعا بدويا. و إن كنت أرى أن الأفكار المتزمتة و السلفية الإسلامية التي يمثلها الفكر الوهابي المتهم دائما بالتطرف قد نشأت أساسا في المراكز الحضرية لمجتمع شبه الجزيرة العربية، و ليس في المحيط البدوي.
البدو بطبيعتهم مرنون، متأقلمون، الثبات ليس له وجود في عقليتهم، و انتمائهم أساسا للجماعة و ليس للأرض. هم لا يبنون المعابد، فليس لديهم فائض اقتصادي يبرر ذلك. دياناتهم بسيطة، تبقى شعائرها عند الحد الأدنى، و آلهتم مجردة و مطلقة. و فنونهم عملانية (براجماتية) وظيفية، فالترحال يستوجب قلة المنقولات. وفي هذه الصفات يتشابه البدو حول العالم: العرب منهم، و المغول، و الأمريكيون و حتى الإسكيمو.
دفعني إلى التفكير في هذا الآن مقالة كنت أقرأها في عدد صحيفة القاهرة رقم 224 الصادر في 27 يوليو 2004 بعنوان أخيرا..الأقباط يتخلون عن سلبيتهم و التي ينقل كاتبها سعيد سالم إعجابه بما حدث في ندوة فكرية تهدف إلى التواصل مع الآخر الديني و الثقافي و النوعي، و مع انحيازي لموضوع و توصيات الندوة السبع، إلا أنني أعترض على صياغة التوصية الثالثة منها و التي تقحم البداوة في دعوتها للتخلص من النزعة البدوية الوهابية الوافدة ذات الاتجاه السلفي و الرؤية الظلامية التي بدأنت تغزو المجتمع المصري فربطت و ساوت ما بين البدوية و الوهابية! فهل نستبدل مشكلة بأخرى و سوء فهم حضاري بآخر!
ربما تكون رؤيتي للبدو مرتبطة بخبرتي الإيجابية بوجه عام مع البدو في مصر، و بسبب إعجابي بثقافة الأمريكيين الأصليين.
في مصر ثلاث مجموعات بدوية رئيسية: السيناويون في سيناء و البربر المختلطون بالعرب في الصحراء الغربية و العبابدة و البشاريون في الجنوب الشرقي
مشكور على المعلومات القيمة
ردحذف